في هذا الكتاب، يعتبر الكاتب العراقي علاء اللامي ظاهرة الطائفية والسياسات القائمة عليها، والتي ظهرت واضحة جلية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، سرطانا ينخر جسم الدولة والمجتمع، خاصة وأن ثمة من يعمل على إدامته واستمراره كأمر واقع لا يجوز نقده أو تجاوزه. وهو في كتابه هذا يعمل على تفكيك هذه الظاهرة وانتقادها رغم وجود من يضفي على سرطان الطائفية، صفة القداسة ويعمل على ترسيخه لأن في ذلك دوامه واستمراره.
يعمل اللامي في كتابه على تقديم مقاربات وتقديم إجابات عن السرطان المقدس الذي يتحدث عنه في 207 صفحة يتألف منها الكتاب، من خلال تفكيك وتحليل الجذور التاريخية للطائفية في فصول الكتاب المتتابعة وصولا إلى الواقع الراهن الذي يعيشه العراق.
يتألف الكتاب من خمسة عشر فصلا يبدأه اللامي بالمقدمة التي كتبها الراحل هادي العلوي عن نشوء الفرق والطوائف في بواكير العصر الإسلامي. ويضم الفصل الثاني استعراضا للكتابات عن الظاهرة الطائفية من خلال رؤية نقدية لما يسميه بالفولكلور في الشتائم الطائفية .. وللإلمام بالموضوع من أبعاده المختلفة، يستعرض الكاتب نماذج من بعض الكتابات (المنحازة)، المكتوبة من قبل بعض الكتاب من الشيعة.
ولعل أهمية الفصل الرابع من كتاب علاء اللامي تكمن في قراءته للظاهرة الطائفية في وضعها الحالي، والتي بدأت مع احتلال العراق في 2003 وكان من نتائجها قيام حكم المحاصصة والطائفية وتفعيل محاورها من خلال تحالف القوات الأمريكية مع ' .. حلفائها المحليين من الطائفتين الشيعة والسنة والقوميين المتطرفين في القيادات الكردية ..'.
ويستمر الكاتب في فصول الكتاب الأخرى في تفكيك (الطائفية السياسية كرافعة تطبيقية لتقسيم العراق) في الفصل التاسع، دون أن يهمل تثبيته واستنتاجاته عن (الوضع الراهن للطوائف المسيحية العراقية) في الفصل الحادي عشر. ويبدي اللامي نفس الحرص في الفصل الثاني عشر المعنون (الطائفة اليزيدية: تجاذبات الحاضر وأثقال الماضي) محددا في نهاية الفصل الانقسام الداخلي الذي تعيشه هذه الطائفة في انضمام قسم منهم إلى الإدارة الكردية الحالية، وتفضيل أتباع الأمير أنور معاوية البقاء ضمن السلطة المركزية.
وفي الفصل الأخير الموسوم (نحو علمانية عراقية تدرأ الاحتراب الطائفي) من كتاب (السرطان المقدس) يرصد الكاتب بدايات ضعف وتلاشي الظاهرة الطائفية السياسية على المستوى الاجتماعي، دون أن يعني ذلك في نظر الكاتب نهاية الطائفية برمتها كظاهرة. وفي معرض ذلك يرى اللامي ان العلمانية كحل يجب أن تكون منهجا ذات خصوصية عراقية لحماية العراق من الخطر المحدق به، دون أن يفوته التأكيد في الوقت نفسه بأن العلمانيين شأنهم شأن الإسلاميين منقسمون سياسيا بين حلفاء للاحتلال ومناهضين له. وفي هذا الصدد فإن اللامي يؤكد بأن بين العلمانيين أيضا تابعين وحلفاء للاحتلال ومناهضين له.
أثار هذا الكتاب كما كان متوقعا زوبعة عند نشره على حلقات في جريدة 'القدس العربي'، رغم ان الزوبعة (في رأي الكاتب) كانت في حدودها الدنيا. ولعل تبني الكاتب علاء اللامي مقولة الكاتب المصري يونان لبيب 'الوطن هو نقيض الطائفية، فعندما يسود النظام الطائفي يغيب الوطن وعندما يفرض هذا ـ الوطن ـ نفسه تتوارى الطائفية'. ففي هذا المجال يحدد اللامي الكلمة الفصل في نهايات الكتاب بقوله، الطائفية حين تحل محل الوطن وتحتويه فإنها تضفي صفاتها وخصائصها وولاءاتها عليه، ليحتل مكان الإنتاج حروب تدميرية. والمقصود بغياب الوطن، ليس الغياب الجغرافي بل التاريخي ـ الحضاري.
الشيء الذي يحسب للكاتب هو دخوله عبر كتابه (السرطان المقدس ـ الظاهرة الطائفية في العراق من التوكل إلى بوش الأمريكي، الجذور ـ الواقع ـ الآفاق ) إلى موضوعات سياسية ملغومة في العراق، شديدة الحساسية متناولا إياها بالعرض والتحليل والنقد والاستقراء، محددا موقفه من نتائج الظاهرة الطائفية بمسؤولية الكاتب والمثقف، وهو ماعودنا عليه علاء اللامي في كتاباته السياسية المنشورة على مواقع الانترنت والصحافة الورقية.
اسم الكتاب: 'السرطان المقدس ـ الظاهرة الطائفية في العراق
من التوكل إلى بوش الأمريكي، الجذور ـ الواقع ـ الآفاق'.
المؤلف: علاء اللامي
دار الانتشار العربي ،2010.
كاتب عراقي مقيم في جنيف
نقلا عن القدس العربي ٠٩-٠٣-٢٠١٢
Aucun commentaire :
Enregistrer un commentaire