آمال بابا
لقد تم اعتقالي اول البارحة 11 جانفي على الساعة 12.00 و دام الاعتقال
لعدة ساعات قضيت فيها اوقات عصيبة احسست انها سنوات لا ساعات. لهذا
احسست اني بحاجة ان احكي لكم هذه التجربة القاسية و ما تعلمت منها لانكم اخوتي و
لان هذه المجموعة هي بيتي الثاني. لقد
وصلت الى البريد المركزي على حوالي ال12.00
منتصف النهار. تاخرت في الوصول لان ازدحام المرور كان غير عادي حواجز الشرطة في كل مكان … عرفت انهم في
حالة تاءهب قصوى بسبب وقفتنا السلمية !!! لما
وصلت الى البريد المركزي لم اجد احدا من
الاخوة لان الشرطة اعتقلتهم منذ الساعات الاولى.
اتصلت بالاخت منار و اتفقنا ان اصور رجال الامن و سياراتهم و
حصارهم للمكان رغم انهم اعتقلوا جميع الاخوة… انا اصبت بالذهول لماذا يمنعوننا من
القيام بمجرد وقفة للتعبير عن
انفسنا؟؟ لم نكن نريد ايذاء احد. كنا فقط نريد ان نعبر عن راينا بسلمية. هل نخيفهم الى هذه الدرجة ؟؟!!
احساس
كبير بالغضب انتابني في تلك اللحظة فجلست على
مقعد و اخرجت هاتفي و تظاهرت اني تلقيت مكالمة و بدءت في الحديث و التصوير خفية. ثم نهضت من مكاني و بدءت
اصور و انا امشي التقطت صورا كثيرة لهم و
لعرباتهم ثم جلست مرة اخرى فاذا بيد تسحب الهاتف من ورائي. نظرت الى الوراء فرايت رجالا من الشرطة كانو 3 او 4
و اخر بالزي المدني هو الذي اخذ الهاتف مني
و طلب مني ان اجلس و لا انهض حتى يؤمروني. جلس بالقرب مني بينما الاخرين ظلو واقفين يحاصرونني. قال
لي لا تكذبي و لا تحاولي التبرير انا اعرفكي
جيدا و اعرف من تكونين فلا فائدة من الكلام.
ثم اركبوني في عربة الشرطة الكبيرة و اخذوني
الى المركز. لما وصلنا ادخلوني الى احد المكاتب حيث بدء التحقيق مباشرة. كان ذلك المكتب مكتضا برجال
الشرطة و كان الذي بالزي المدني اول من بدء
التحقيق معي. و كانت طريقة كلامه توحي انه يعرفني جيدا و يعرف مجموعتنا. اخذ يوجه لي الاسئلة و يجيب
بنفسه اول شيئ قاله لي اننا ننكرههمم اضاف
« انا اعرفكي جيدا و اعرف من تكونين لا تحاولي خداعي و اعرف مجموعة 8 ماي 1945 كنت معكم في الاجتماع الذي
عقدتموه في رابطة حقوق الانسان و رايتكم و
انتم تلتقطون الصور ما رايكي؟ انا طبعا انكرت و قلت له انت ربما تحسبني شخصا اخر فصرخ في وجهي و قال لي لا
تتكلمي ثم ضحك باستهزاء و قال لي على فكرة هل
مازلتم تحتفظون بالاقمصة التي لبستموها في ذلك اليوم؟ ثم قال لي اتعلمين اعرفكم جميعا ثم اخذ يذكر لي
بعض الاخوة من المجموعة و مد لي هاتفه و قال
اتريدين ان تتصلي بفلان لتتاكدي هذا رقمه عندي. هيا اتصلي بنفسك و رايت اسم الاخ مكتوبا عنده. قال
لي انه راني يوم الوقفة التي نظمها الامجيك و
اني كنت البس معطفا احمر. ثم سالني « ما علاقتكي بـ 8 ماي 1945 ما علاقتكي برشاد و بالعربي زيتوت؟ فاجبته
اني لا اعرف لا رشاد و لا 8 ماي و لا زيتوت. لكنه
كان يصر اكثر فاكثر و يعيد الاسئلة و يركز على مجموعة 8 ماي بشكل غريب و انا اعيد نفس الجواب. بعدها
سالني عن اسم المدرسة الابتدائية التي اعمل
فيها و سجله عنده ثم قال لي » سنتصل بمديرية التربية لولاية بومرداس و سيفصلونك عن العمل » ثم
اضاف اتدرين انكي ستقضين الليلة هنا. سنحضر
لكي ملفا ثقيلا و ستنقلين غدا الى وكيل الجمهورية بما انكي لا تريدين الكلام. انتي من سيخسر » و نظر
لزملائه و قال اتعرفون هؤلاء هم من يقصد بهم
« صم بكم عمي… » ثم رمقني بنظرة يملئها الحقد و قال انا لا افهمكي عرفت معارضين من الارسيدي و من احزاب اخرى
يتكلمون و يعبرون عن انفسهم. انت لا تعبرين
عن شيئ و لست بشيئ ثم نهض قائلا « اتركها لكم الان » ثم خرج و الحمد لله انه خرج لانني لم اكن اطيق
نظراته الي كانت مليئة بكره و حقد لا يمكن
وصفه.
ثم بدات المرحلة الثانية من التحقيق لكن نفس
الاسئلة عن 8 ماي و ما علاقتي بها و ماذا اريد. و كانت بالمكتب شرطيتان احداهما قامت بتفتيش حقيبة يدي و هناك
عثرت على لافتة كنت قد حضرتها من اجل الوقفة
و كتبت فيها « يا مدلسي الجزائري حر ليس فرنسي كتبت فيها ايضا مجموعة شباب8 ماي1945 و هنا جن جنونهم و
بدء الضغط علي يزيد و الاسئلة تتسارع عن
سبب كتابتي هذه و ماذا نريد و من نحن اي شباب 8 ماي1945 و اشياء اخرى و من حين لاخر يسالونني عن اشياء شخصية مثل
مستوايا الدراسي و عدد اخوتي و ماذا يفعلن
و كان هذا من اجل الضغط علي لانهم في كل مرة يؤكدون اني اؤؤذي اهلي و العب بمستقبل اخوتي و ساجلب لهم
الفضيحة عندما يعرف الجميع اني اعتقلت. و
لن تجد اخواتي « عملا ابدا عند الدولة »… انا كنت ابكي بصمت و لم اتفوه بكلمة. بعدها خرج الرجال و تركوني
مع الشرطيتان اللتان طلبتا مني ان انزع معطفي
ليتم تفتيشي نزعت المعطف و اعطيته لاحداهن نفضته بشدة و بحثت في جيوبه. ثم قالت لي الاخرى هيا هيا
انزعي ملابسكي ستنزعين كل شي. و هكذا اجبروني
على خلع كل ملابسي حتى الداخلية الى ان بقيت عارية تماما كما ولدت !!!. و
اخذت الشرطية تنفض كل الملابس بشدة و تبحث فيها حتى الملابس الداخلية نفضتها فقلت ماذا تظنين انكي
ستجدين فيها؟ فصرخت »هذا لا يخصك اسكتي
لست انت من سيريني عملي »بعد ان ارتديت ملابسي دخل الاخرون و استمر التحقيق بعدها نقلوني الى مكتب اخر و هناك
وجدت اشخاصا اخرين اعادو طرح نفس الاسئلة
عن مجموعتنا و من نكون. واحد منهم قال لي يمكننا ان نبقيكي هنا انتي متهمة بالتجمهر اتعرفين ما معنى
التجمهر بدون ترخيص اجيبي. فاجبته بلا فاقترب
مني و قال اذن « سنقرءك فلا تنسى ». و كانو في كل مرة يسالونني « لماذا
تبكين نحن لم نسئ اليكي و نعاملكي لحد الان بالتي هي احسن اجيبي فقط عن الاسئلة و لن يحدث لكي شيئ. لماذا
انتي مصرة على السكوت » و في هذه اللحظات
كانت تتصل الاخت منار و تعاود الاتصال بي و كان هاتفي عندهم. فقال احدهم من هي منار هذه؟ هيا اجيبي ردي
عليها تكلمي معها » و كانو يناولونني الهاتف
و انا ارفض حتى ان المسه. ثم قالولي من اي بلد هذا الرقم اجيبي من اين تتصل لكني بقيت متسمرة في مكاني و لم
يصدر مني لا صوت و لا حركة كانت دموعي فقط
تسيل بغزارة. و قال احدهم « اتظنين اننا لا نستطيع معرفة البلد ساتصل حالا بهذا الرقم و ارى. ثم اتصل
برقم الاخت منار من هاتفه و ذهب الى الغرفة
الاخرى ليتكلم. كنت اقول في نفسي يا منار لا تردي ارجوكي لا تردي. ثم
عاد بعدها و قال « تكلمت معها و لو اردت لقلت لها اني من مجموعتكم و هكذا ابقى معها على اتصال » ثم بحثو في
دليل الهاتف ووجدو ان الرقم من مصر بعد ان ظنوه
من امريكا!
كانت الساعات تمر ببطئ شديد احسست اني سانهار لم اعد احتمل لكن كنت ادعو
الله ان يثبتني و يعطيني القوة و الشجاعة لاستمر.
اخيرا نقلوني الى مكتب اخر فيه ايضا اشخاص جدد
و هناك اعطتني احدى الشرطيات قارورة للمياه المعدنية اشترتها خصيصا لي. شربت
قليلا ثم طلبو مني ان اهدء و اجيب عن الاسئلة.
قال لي احدهم « كلما كنتي متعاونة و اجبتي عن
الاسئلة كلما قرب موعد خروجكي من هنا » و اذا واصلتي في الصمت فسنعيد التحقيق لمرات و مرات و سيبقى الوضع هكذا.
ثم قال لي » اعدكي انه لن تكون هناك
ابدا متابعة قضائية و حالما ننتهي ستعودين الى بيتكي » انا كنت اعرف جيدا انهم ليسو بحاجة ان اخبرهم بشيئ كانو
يعرفون كل شيئ عني و عن المجموعة. لكنهم
ارادو اعترافات مني لا ادري لماذا لكني قررت ان لا اعترف بشيئ
مهما حاولو معي لذا كان لابد لي ان اقول اي شيئ لانجو منهم. فكرت قليلا ثم قلت لهم « نعم موافقة. »
هنا بدؤو يسجلون اقوالي في البداية سالوني اسالة تتعلق بحياتي الشخصية
عن جنسية والدي و ان كانا جزئريان و اسمهما
و عدد اخوتي و تاريخ ميلادهن
و ان كان لدي اخوة توفوا او لا و كم كان عمرهم لما توفوا…..
و اسم المدرسة الابتدائية التي درست فيها و المتوسطة و الثانوية
في اي سنة تحصلت على البكالوريا و ماذا درست في الجامعة في اي سنة اكملت
دراستي…
متى بدءت عملي كمدرسة و في اي سنة تم تثبيتي……و اشياء اخرى كثيرة جدا حتى
ظننت انهم سيسالونني عن لوني المفضل و الطبق الذي احبه……
ثم بدءت الاسئلة المتعلقة بالمجموعة. اول سؤال »ما علاقتكي ب 8 ماي 1945″ قلت
لهم لا اعرف عنهم شيئا و اناكتبتها في اللافتة فقط لاني تذكرت احداث 8 ماي 1945. ثاني سؤال » من هي منار و
ما علاقتكي بها »
اجبتهم
هي صديقتي قبل ان تسافر الى مصر و ليس لها اية
علاقة بالسياسة و انها ماكثة بالبيت و لا تعمل .و بعدها سالوني عن اللافتة التي تتكلم عن مدلسي فاخبرتهم
اني سمعت الناس في الحافلة يتكلمون عنه
و انه قال شيئا سيئا فكتبت هذه اللافتة لاتسلى بها و لم اكن انوي اخراجها اما عن صورة بابا نجار التي
وجدوها ايضا في حقيبة يدي اخبرتهم اني وجدتها
في الطريق و انا فقط تضامنت مع قضيته اما بالنسبة للصور التي اخذتها عن رجال الشرطة قلت لهم اني هاوية
تصوير و انا اصور كل ما اجده في طريقي… عندها قاطعتني احدى الشرطيات و علامات الغضب
بادية على وجهها تتضامنين مع
قاتل فقلت لها ربما يكون بريئ و هو لا يطلب الا اعادة محاكمته و قبل ان اكمل اضافت بلهجة عنيفة » اجيبي
لماذا قمتي بتصوير الشرطة. » فقلت « لقد
جاوبت للتو يا اختي » فصرخت في وجهي « اريد ان تجاوبيني انا و انا لست اختكي » فاخبرتها اني هاوية
تصوير عندها اصبحت لهجتها اكثر حدة و قالت « لماذا
لم تصبحي مصورة » فاجبتها ان اهلي لم يوافقو. فصرخت مرة اخرى في وجهي » لم يوافقو على التصوير ووافقو
على ما تفعلين الان » سنتصل الان ببيتكي
و اي رجل سيكون موجود في البيت سنحضره او ما رايكي لو احضرنا امكي الى هنا. هل سيعجبها منظركي هكذا ماذا سيحصل
لها اتريدنها ان تراكي هكذا? » تكلمي و الا سنتصل بها حالا. عندها لم
استطع ان اتمالك نفسي من البكاء لكني بقيت
متمسكة باقوالي الى اخر رمق. و لما اعدت لهم نفس الكلام اخذ الشرطيان ينظران الى بعضهما و يبتسمان و
قال لي احدهم « اه اذن منار صديقتكي و
الصورة وجدتها في الطريق و التصوير هوايتكي كما تريدين »
و عندما انتهى من كتابة التحقيق اعطاه لي لاوقع
عليه. و عند الانتهاء اخبروني انهم لن يطلقو سراحي حتى ياخذوني الى المستشفى لان هذا اجراء روتيني. فذهبت
معهم مكرهة و لما وصلنا الى مستشفى مصطفى باشا
الجامعي قامو بفحصي فوجدو ان ضغطي ارتفع كثيرا. اعطوني دواء و بعد مدة اعادو فحص الضغط و كان مرتفع ايضا.
عندها اجرو لي اشعة عن القلب لمعرفة ان
كنت اعاني مشاكل من هذا الجانب. الحمد لله لم يجدو شيئا. ثم اخذوني الى مكان اخر و هناك ملئو اصابعي
كلها بمادة سوداء تشبه الدهان و اخذو بصماتي
مرات و مرات ثم قامو بتصويري من الامام و الجنب.
و اخيرا ارجعوني الى مركز الشرطة كنت مرهقة على
وشك الانهيار و كان الشرطيان الذان اعاداني للمرة الاخيرة الى المستشفى قد تسلما لتوهما المداومة
الليلية و يبدو انهما رافا بحالتي لانهما عاملاني
كاختهما تماما بل و اوصلاني بسيارة الشرطة حتى مقر الحافلات بالخروبة اين اخذت تاكسي الى البيت. لم
اصدق اني ابتعد و اخرج من هذا الكابوس. لم
اصدق اني ساقضي الليلة في بيتي.
كنت سعيدة و غاضبة و محبطة و تعبة و منهارة و
فرحة و اشياء اخرى في نفس الوقت… لكن الاكيد اني كنت فخورة و معتزة بانتمائي الى مجموعة شباب ثورة 8 ماي 1945
المجموعة التي جعلت النظام يكون في حالة
استنفار قصوى و يخاف من شباب لا يملكون الا حناجر للصراخ و لا فتات من ورق.
هذه التجربة علمتني الكثير و اظن انها زادتني عزما و ايمانا بصدق قضيتنا
و اننا اصحاب و دعاة حق.
اخيرا اريد ان اقول كلمة حق فيما يخص رجال الشرطة.
مازلت ارى انهم اخواننا و انهم يحبون الجزائر و منهم من عاملوني معاملة الاخوة رغم اختلافنا...
Aucun commentaire :
Enregistrer un commentaire