mercredi 14 septembre 2011

اليوم الأسود للكتاب الأخضر


د. أمين زاوي

كان القذافي يفكر دائما في الثورة على الآخر، ولم يفكر يوما بأنها ستكون ضده ذات يوم آخر، وكان ذات 17 فبراير 2011. وسقط الذي انقلب على ملك شيخ اسمه السنوسي ليتحول بعد أربعين سنة إلى ملك الملوك، لم يَطُل به المقام للاحتفال بالذكرى الثانية والأربعين على توليه عرش البلاد والشد على رقاب العباد، وهو على بعد أسبوع منها، الفاتح من سبتمبر، أسقطه الثوار أخيرا، أسقطه السباع الذين كان يراهم قبل خمسة أشهر عبارة عن جرذان، وانتهى مسلسل رئيس عربي آخر، رئيس أو ملك أو سلطان.. الكل متشابه، والكراسي لا فرق بينها، والممارسات لا فرق بينها أيضا، إلا في بعض تفاصيل الديكور. 
سقط صاحب مقولة: الديمقراطية تعني "ديمو الكراسي" 
ويسقط الكولونيل أو القائد أو ملك الملوك، يسقط، يتهاوى من على عرشه، ومثلكم أتساءل: كيف يا ترى شاهد الرؤساء العرب الباقون هذا الكابوس، كيف عاشوه وعايشوه؟ في ماذا يا ترى كانوا يفكرون وهم يتابعون مشهد اقتحام محمية العزيزية؟ والكولونيل، ملك الملوك وعميد الرؤساء العرب والبربر وما جاورهما من ذوي السلطان الأكبر وهو يسقط هذا السقوط الحر من علياء عرشه الذي كان يعتقد أنه عرش سليمان، أتساءل كيف حال المثقفين الجزائريين والعرب الذين أكلوا من يده وكَبَّروا به تكبيرا وهللوا له تهليلا؟ لقد أصبحوا يتامى، يا للمساكين!! 

أكبر كذبة عمّرت بعد كذبة أول أبريل 
منذ أربعين سنة والقذافي ومن معه من الحاشية والمرتزقة من أشباه المثقفين وأمثالهم من الجامعيين يحتفلون عاما بعد عام، يوما بعد آخر، وليمة بعد وليمة بكذبة كبيرة نادرة أكبر من كذبة سمكة أبريل العالمية، كذبة اسمها "الكتاب الأخضر" أطلقها القذافي سنة 1975 وصدقها الذين ساروا في ركبه وصفقوا لها وهللوا ومن خلالها أكلوا من صحنه حساء ولحسوا لحسا كثيرا. ثم ماذا لو أننا قرأنا بعض فقرات من هذا الكتاب الدليل الذي نُظمت حوله آلاف الندوات والتي نقلت عبر الأقمار الصناعية وصرفت عليها الملايين من الدولارات من أموال الشعب الليبي العزيز الذي ظل مكتفيا بالماكارونا والعدس واللوبيا وطبع بملايين النسخ التي لم يقرأها أحد ووزعت على جميع غرف الفنادق بليبيا على كل نزيل بجميع اللغات، حتى تلك التي انقرضت، فكان الكتاب الأخضر الدليل السياحي الأوحد في ليبيا وأهديت ملايين النسخ في معارض الكتب بأجنحة الجماهيرية وفي السفارات، هدية ثقيلة، أثقل هدية عرفها القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين حملا، إذ لا أعتقد أن المزابل وأكياس القمامات عرفت كتابا مثلما عرفت الكتاب الأخضر. الفيل وما أدراك ما الفيل له خرطوم طويل: مقتطفات من الكتاب الأخضر اقرأوا معي ما جاء في كتاب كان ولمدة أربعين سنة دستور بلاد كان اسمها ذات يوم ليبيا وتحولت إلى "الجماهيرية". يقول ملك ملوك الأفارقة والعرب والبربر وما جاورهم من ذوي السلطان الأكبر في كتابه الذي أصبح يُوصى به قراءة وحفظا أكثر مما يوصى بالقرآن في الفرق بين المرأة والرجل: المرأة إنسان والرجل إنسان. المرأة تأكل وتشرب كما يأكل الرجل ويشرب. المرأة أنثى، والرجل ذكر. إنها تحيض أو تمرض كل شهر، والرجل لا يحيض لكونه ذكرا. والمرأة إن لم تحض تحمل... والرجل لا يحمل. والمرأة بعد ذلك ترضع ما كـانت تحمله.. والرجل لا يحمل ولا يرضع. ولم يغب عن ذكاء القذافي شيء، فحتى جنس الموت شغله، أهو ذكر أم أنثى؟ يقول ملك الملوك وصاحب النظرية الثالثة: "من الواجب تحديد جنس الموت ومعرفة إن كان ذكرا أو أنثى، فإن كان ذكرا وجبت مقارعته حتى النهاية، وإن كانت أنثى وجب الاستسلام لها حتى الرمق الأخير". 

وله في الرياضة رأي 
وللقذافي في الكتاب الأخضر الذي جاء على اليابس والأخضر رأي في الرياضة يكتب: "إن الآلاف التي تملأ مدرجات الملاعب لتتفرج وتصفق وتضحك هي الآلاف المغفلة التي عجزت عن ممارسة الرياضة بنفسها حتى صارت مصطفة على رفوف الملعب تمارس الخمول والتصفيق لأولئك الأبطال الذين انتزعوا منها المبادرة، وسيطروا على الميدان، واستحوذوا على الرياضة... مدرجات الملاعب معدة أصلا للحيلولة دون الجماهير والميادين والملاعب، أي لكي تمنع الجماهير من الوصول إلى ميادين الرياضة.." 

"القرية القرية... الأرض الأرض" على وزن "زنڤة زنڤة .. بيت بيت" 
والقذافي أيضا أديب ألمعي، هو القصاص صاحب المجموعة القصصية "القرية القرية... الأرض الأرض" وهو يسقط من عرشه كنت أفكر في أولئك الكتاب من الجزائريين والعرب الذين أشادوا بأعماله الأدبية "الرائعة" على حد قولهم المتزلف، أتساءل ما حالهم اليوم هل سينصبون خيمة عزاء هذا المساء لأديبهم العالمي الكبير؟ أفكر في هؤلاء "اليتامى" الذين كتبوا وأعجبوا بكتاباته القصصية ذات المواقف الإنسانية والجمالية العالية!! هيه هكذا!! وقد نعموا بالاكتشاف العجيب ونعموا بالدولار الأزرق، حتى أن البعض منهم بعد أن منحوه درع الأدب العربي المعاصر!! رشحوه لنيل جائزة نوبل وجوائز عالمية أخرى؟ أين مواقفهم الآن؟ أم إنهم في انتظار غنائم القادم، وربما خرجوا لصيد جديد، فهذا هو الوقت المناسب لركوب قطار الثورة؟

Aucun commentaire :

Enregistrer un commentaire

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...